سماتي محمد بن العابد•• أثر جزائري عميق




سماتي محمد بن العابد•• أثر جزائري عميق -1 -





لنكنْ
جديرين بأنفسنا ولْنتذكرْ أحد الذين رحلوا بصمت تاركين لنا تراثا من العلم
والأدب وفصولا مؤثّرة من النّضال المستميت· كانَ كاتبا وثائرا، صحفيا
وفنانا، عاشقا للجمال مولعا بالحرية· انتصر على القيد والاستبداد بروحه
المنطلقة، وعلى ظلام السجون بعقله المستنير· لم يهادنْ في حق ولم يساومْ في
مبدأ· لم يقبل بأنصاف الحلول· عشق وطنه حدّ الجنون وزرع في رماد اليأس
وردة أمانيه وانتظر بصبر صباحات الربيع الواعدة ليشهد تفتحها·
عاش عيشة
البسطاء مغتنيا بدينه زاهدا في دنياه؛ بيت متواضع في فندق ''بن عزوز''، حي
''الزلايقة'' بقسنطينة، لا يتناول من الأكل إلا ما يسدّ الرّمقَ، لا يلبس
إلا ما يغطي جسده النّحيل· كان ينتعل صندالة خفيفة في أغلب فصول السنة· إذا
رأيته قلتَ: ''هذا حفنة من اللّحم والعظم لا يملأ عينا ولا يلفتُ نظرا''،
لكنك إذا اقتربت منه وجدت أمامك رجلا قويا بأفكاره صلبا بمواقفه·
إنه سماتي محمد بن العابد رحمه الله···
ولد
بمدينة ''أولاد جلال'' 1890 بين عائلة محافظة متشبعة بالعلم والأخلاق، في
فترة حالكة من القرن التاسع عشر، وهي فترة دامت حوالي 30 عاما؛ من 1890 إلى
,1920 عانى فيها الجزائريون بسبب قسوة الاستعمار معاناة شديدة مهدت لبزوغ
عهد العظماء ورجال المستقبل من أمثال عبد الحميد بن باديس، مصالي الحاج،
محمد البشير الإبراهيمي، فرحات عباس، العربي التبسي، محمد الأمين العمودي،
محمد السعيد الزاهري، الطيب العقبي، إبراهيم أبو اليقظان، أحمد توفيق
المدني، وأخيرا محمد بن العابد سماتي·
كانت دراسته الأولى بأولاد جلال،
لكن ينابيع هذه المدينة لم تطفئ ظمأ الفتى الشغوف بالعلم والمعرفة، فتطلع
إلى عالم أرحب· مكثَ يبحث عن ضالته إلى أن تناهت إليه شهرة الشيخ عبد
الحميد بن باديس بقسنطينة· استشار والده في الرحيل فسكت الوالد لأنه يعرف
عناد ولده، وبدأت الرحلة·
هناك في قسنطينة تعرّف الوافد القروي على بعض
الطلبة الباديسيين، فانضم إليهم لتشهد حياته تحولا عميقا· لازم محمد بن
العابد دروس الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي اهتم به اهتماما بالغا لما رأى
فيه من النجابة والذكاء ما يستحق أن يقربه إليه·
حذا التلميذ حذو أستاذه فتوسعت مداركه وزاد علمه بالدين واللغة، لكنه لم يفقد عشقه للفن وميوله الجارف للثورة·
اكتملت
شخصيته الإبداعية والثورية ونضجت رؤيته للحياة والفكر والمعرفة وقضايا
البلد فافتكّ مكانته بين الكبار وعندما واتته الفرصة اختار أن يشق الطريق
الصعب· وهكذا خاض محمد بن العابد غمار المعركة الوطنية بكل تشعباتها·

يعود
تاريخ بدء علاقة ابن العابد بالعمل الثوري إلى ما قبل العام 1954 بأكثر من
عشر سنوات، وذلك عندما أنشأ ''صالح بوذراع'' ومعه بعض الشبان تنظيما سريا
ثوريا أطلقوا عليه اسم ''الحزب الثوري'' خلال الحرب العالمية الثانية عام
.1941
اُستشير ''ابن العابد'' في التنظيم الثوري وفي الهدف من ورائه، فتجاوب مع مؤسسيه وساعدهم في بعض الأعمال.
قام
الحزب السري الجديد بعدة نشاطات ثورية مثل تعبئة بعض الشبان وتدريبهم على
استعمال السلاح وتهريب الأسلحة من ثكنة ''القصبة'' بقسنطينة من طرف
المجندين وعلى رأسهم صالح بوذراع· كاد التنظيم أن يشرع في عمله على مستوى
قسنطينة لولا أن الشرطة اكتشفت أمرهم وأرادت القبض على أعضائه، فاضطروا إلى
الفرار ومنهم صالح بوذراع الذي قضى جزءا هاما من حياته في سرية تامة بعد
هذه الحادثة· كانت هذه هي التجربة الثورية الأولى في حياة ''ابن العابد''
التي دفعته لأن يجاهر بالتأييد المطلق لحزب الشعب الجزائري حركة الانتصار
للحريات الديمقراطية بعدما أخبره أحد تلاميذه بوجود تنظيم شبه عسكري سري
جدا مهمته تدريب المناضلين على الأعمال العسكرية وحرب العصابات تحت إشراف
حزب الشعب الجزائري، ذلك أن ''مصطفى بن بو العيد'' كان صديقا حميما له
و''العربي بن مهيدي'' من تلاميذه، مما جعله يتابع خطوات هذا التنظيم بحماس
شديد· وقد اكتشف هذا التنظيم السري العام .1950
قليلون جدا من زعماء
السياسة والأسماء الثورية من كان لهم علم بموعد اندلاع الثورة، بل منهم من
فتح عينيه أول نوفمبر على مفاجآت لم يكن يتوقعها· أما ابن العابد فقد كان
على علم بها دون أن يبوح بسرها.
روت المراجع قصة عن جلسة غداء، أقامها
أحد تلاميذ الشيخ بقسنطينة، فاجأ خلالها ابن العابد الحاضرين بسؤال كلّ
منهم: كم لديك من الأولاد؟ أجاب أحدهم ثلاثة، والآخر أربعة، والآخر خمسة·
فنهض الشيخ من مكانه متوجها نحو الباب وهو يقول: كيف تقابلون الثورة إذا
اندلعت غدا·· يقابلها كل واحد منكم بأن له زوجة وأن له كذا من الأولاد؟!··
وهمّ بالانصراف لولا تدخل صاحبة البيت وهي من تلميذاته ثم أسرع الحاضرون
إلى تهدئته قائلين له: كن مطمئنا يا شيخنا·· إذا قامت الثورة فإننا لن نقصر
ولن نتخلف عنها· هذه القصة وقعت في سبتمبر ,1954 وهي تدل على أن للرجل صلة
وثيقة برجال الثورة وعلى علم بتوقيتها.
وبعد اندلاع الثورة كان ابن
العابد حاضرا مستعدا في الساعات الأولى ليقوم بواجبه الوطني والتجند مع
الشبان المجاهدين، ذلك أن وقت التعليم انتهى· ونظرا لتقدم سنه فإن طلبته
أشفقوا عليه وحاولوا ثنيه عن الالتحاق بالجبل فقال لهم مؤنبا: الثورة لا
تعرف فرقا بين الشاب والمسن·· بين الصغير والكبير·· بين الرجل والمرأة·
وبالفعل التحق ''ابن العابد'' بالثورة دون استئذان من أحد وأُدمجَ ضمن فوج
صغير تحت قيادة ''البشير حجاج''، إلا أن هذا الفوج سقط في كمين بنواحي
''الخروب'' واُسر كل أفراده بمن فيهم الشيخ ابن العابد.

مثل
ابن العابد أمام المحكمة فبادره القاضي بالقول: ''بما أنك شيخ مسن ومعلم
أطفال فلا شك أن هؤلاء الفلافة أرغموك على الالتحاق بصفوفهم''· اعتبر ابن
العابد هذا القول إهانة له، فاحتج موضحا أنه كان مخيرا لا مجبرا وأنه التحق
بالثورة مع إخوانه عن قناعة ثابتة· ذهل القاضي من هذا الإصرار الراسخ ولم
يجد منفذا لإنقاذ ابن العابد فحكم عليه بعشر سنوات سجنا نافذا، وأحكام
إضافية أخرى وغرامة مالية كبيرة· ورغم قسوة الحكم إلا أن ابن العابد تقبله
راضيا، بل أكثر من ذلك، فقد أعرب للقاضي عن اغتباطه وسعادته قائلا له: ''من
قال لك بأن فرنسا ستبقى هنا عشر سنوات·· وبأنني سأعيش عشر سنوات·· يكفي
أني قد حققت حلمي وحملت السلاح دفاعا عن حقي ووطني وأمتي·· تأكد أيها
القاضي أن الجزائر إذا ثارت فستستقل مهما كان الأمر!!!''· ما كان من القاضي
إلا أن أسرع بإنهاء الجلسة حتى لا يسمع مزيدا من الإهانات أكثر مما سمع·
صدر
الحكم وتمّ نقل القضية إلى محكمة الاستئناف بالعاصمة، هناك حيث مثل ابن
العابد أمام هيئتها يوم 23 جوان 1955 وصودق على الحكم، فسيق بعدها الشيخ
إلى سجن ''البروافية'' المشهور بقسوة الحياة فيه وتعسف إدارته، مما جعل
رفقاء الشيخ في السجن يقرّرون إضرابا عن الطعام احتجاجا على وضعهم غير
الإنساني مستثنين الشيخ نظرا لتقدمه في السن، فأبى وأضرب معهم· إلا أنهم لم
يستطيعوا المواصلة فكسروا إضرابهم واستمر ابن العابد يوما آخر بعدهم صابرا
محتسبا ملقنا رفقاءه درسا في الوطنية والتفاني·
قضى الشيخ من عمره سبع سنوات في هذا السجن، مستعينا بالصبر مستخفا بالألم ومواظبا على ممارسة رياضة اليوغا يوميا·
بعد
أن أُطلق سراح ابن العابد في يوم 14 ديسمبر 1961 حل بالعاصمة أولا ثم سافر
إلى عين مليلة، حيث تنتظره هناك مدرسته شأنه في ذلك شأن الجندي الذي عليه
أن يعود إلى ثكنته بعد أن يؤدي مهمته·
بعد الاستقلال لم يخلد ابن العابد
إلى الراحة رغم أن وراءه سنوات طوال من العناء، ولم يغره البريق الذي خطف
الأبصار وأجرى لعاب ضعاف النفوس، فكان أقوى من العناء والإغراء· لكن
الشيخوخة لم ترحمه والمرض لم يسعفه، فعاد إلى مسقط رأسه بأولاد جلال، وعانى
هناك مرارة واقع الاستقلال، حيث تنكر له المسؤولون وهمّشه المجتمع وشعر
بأنه مستغنى عنه، فاعتزل الناس ولزم الصمت إلى أن غادر عالمنا بهدوء إلى
العالم الآخر في 06 فيفري .1967

محمد بن العابد الجلالي


( 1311 -
1387 هـ)
( 1893 -
1967 م)





سيرة الشاعر:

محمد بن العابد بن عبدالله السائح بن
الجموعي بن السماتي.
ولد في أولاد جلال - (ولاية بسكرة - شمالي شرق الجزائر) وتوفي فيها.
قضى حياته في الجزائر.
كان والده أحد الفقهاء المشهورين في منطقته فحفظ عليه القرآن الكريم
وتلقى دروسه الأولى في علوم الدين واللغة، ثم لازم الشيخ عاشور الخنقي لمدة
قصيرة، انتقل بعدها إلى مدينة قسنطينة وتتملذ فيها على الشيخ عبدالحميد بن
باديس ولازمه مدة طويلة حتى أتم علومه عليه.
تقلب بين عدة مهن ووظائف، فبدأ حياته العلمية شريكًا في صحيفة «المنتقد»
التي كانت تصدر كل أسبوع، وبعد أن قامت سلطات الاحتلال الفرنسي بإغلاقها
شارك في إصدار جريدة «الشهاب» عام 1925، ثم أسس جريدة «أبوالعجائب» (1934)،
وهي جريدة هزلية ساخرة لكنها صودرت أيضًا، فاشتغل في سلك التعليم العربي
الحر عام 1930، وتنقل في وظيفته هذه بين عدة أماكن منها: «العلمة - بسكرة -
عين مليلة» ثم تركها ليلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني حتى وقع في أسر قوات
الاحتلال عام 1955، وأطلق سراحه عام 1961، فعاد إلى الاشتغال بالتعليم في
مدينة عين مليلة حتى أثقل عليه المرض فعاد إلى مسقط رأسه واعتزل الحياة
العملية.
شارك في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 191 وكان عضوًا
نشطًا فيها، كما انضم إلى حزب «حركة أنصار الحريات الديمقراطية».

الإنتاج الشعري:
- له ديوان: «الأناشيد المدرسية لأبناء وبنات المدارس الجزائرية» - تونس
1939، وله قصائد وردت ضمن عدة كتب منها: «النصوص الأدبية» - «صوت الجزائر
في الفكر العربي الحديث»، وله قصائد نشرت في مجلة الثقافة - عدد (107 -
108) - وزارة الثقافة - الجزائر.

الأعمال الأخرى:
- له سبع قصص قصيرة نشرها في جريدة الشهاب منها: «في القطار - يناير
1935» - «السعادة البتراء - مايو 1935» - «الصائد في الفخ - يونيو 1935» -
«أعنّي على الهدم أعنك على البناء - يوليو 1935» ويعتبر مؤسسًا للقصة
القصيرة في الجزائر، وله مسرحية بعنوان: «مضار الجهل والخمر والحشيش
والقمار» - تقع في أربعة فصول ونشرت ضمن كتاب «فنون النثر الأدبي في
الجزائر» لعبدالملك مرتاض، وله عدد كبير من المقالات التي يتناول فيها
موضوعات وطنية واجتماعية وتربوية وسياسية كان ينشرها في جريدتي «الشهاب -
أبوالعجائب»، وله كتاب بعنوان: «تقويم الأخلاق» المطبعة الجزائرية
الإسلامية - قسنطينة 1927.
كتب القصيدة العمودية وجدد في موضوعاتها وأساليبها، فمنها ما جاء في صيغة
حوارية قصيرة بين أربع بنات يتفاخرن بمزاياهن الخلقية والدينية والعلمية،
ومنها ما جاء في صيغة أنشودة صغيرة مقطعة بحيث يشكل كل بيتين وحدة دلالية
تتغير فيها قوافي البيت الأول ويلتزم البيت الثاني قافية واحدة، ولون
النشيد هو الأكثر حضورًا في شعره، ويغلب عليه طابع النصح والسمت التعليمي
والنزعة الوطنية، وجل شعره يأتي في لغة سلسة وتراكيب بسيطة وصور جزئية تسهل
حفظها للناشئين وتقوي قدرتها على حمل المعاني المحدودة التي يلح عليها في
أغلب شعره.

مصادر الدراسة:
1 - أبوالقاسم سعدالله: تاريخ الجزائر الثقافي - دار الغرب الإسلامي بيروت 1998.
2 - صالح خرفي: صفحات من الجزائر - الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر (د.ت.)
3 - عبدالملك مرتاض: فنون النثر الأدبي في الجزائر (1931 - 1954) - ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر 1983.
4 - عمر بن قينة: صوت الجزائر في الفكر العربي الحديث - ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر 1993.
5 - محمد الحسن فضلاء: من أعلام الإصلاح في الجزائر (جـ 1) - دار هومة - الجزائر 2000.
6 - محمد الصالح رمضان وتوفيق محمد شاهين - النصوص الأدبية - دار مكتبة الشركة الجزائرية - 1968.
7 - الدوريات:
- علي مرحوم: الأديب الثائر محمد بن العابد الجلالي - مجلة الثقافة - وزارة الإعلام والثقافة - الجزائر - عدد يونيو ويوليو 1977.
- محمد الصالح رمضان: ابن العابد الجلالي شخصيته وجانب من تفكيره - مجلة
الثقافة - وزارة الثقافة والسياحة - الجزائر - عد يوليو وأغسطس - 1984.
- محمد الطيب العلوي: محمد بن العابد الجلالي المربي ورائد الأنشودة
المدرسية للأطفال - مجلة الثقافة - وزارة الثقافة - الجزائر - عدد مارس
وإبريل - 1995.

عناوين القصائد:
ياأفق أين النور
أرينا الغزال
مولد الرسول

كاتبة الموضوع: فطيمة
http://wadilarab.kalamfikalam.com/t16627-topic

1 التعليقات:

Happiness and success يقول...

بارك الله فيكم

إرسال تعليق

 
Design by Free Wordpress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Templates | تعريب وتطوير : قوالب بلوجر معربة